Jueves, 21 Noviembre 2024

آل العوفي الحاملون لكتاب الله

عبدالحق العوفي

لكي لا ننسى

آل العوفي الحاملون لكتاب الله

 

من المعروف عن آل العوفي أن أغلبيتهم قد مارسوا، منذ زمن بعيد، مهنة التعليم والقضاء، وما يزال الكثير منهم متمسكين بهاتين المهنتين إلى يومنا هذا، وخصوصا مهنة التعليم..

وكان، لكي يتم تكوين الأبناء وتأهيلهم لتولي هاتين الوظيفتين، يحرص الآباء على إلحاق أطفالهم بـ "ثمزيذا" (كتاب القرية) منذ نعومة أظفارهم.. ويرسلون الكبار منهم، بعد أن يكونوا قد أخرجوا عدة "سلكات"، واستظهروا، عن ظهر قلب، الستين حزبا من القرآن الكريم في مداشرهم، إلى المدارس الدينية العتيقة، التي تشتهر بها القبائل المجاورة (إخَنَّشْ[1])، لتلقي المزيد من العلوم الدينية واللغوية المرتبطة بالقرآن الكريم، أو إلى المدن العلمية الشهيرة والبعيدة عن أهلهم، مثل مدينتي فاس وتطوان، وذلك قصد أخذ العلوم عن أهل العلم، واستكمال دراستهم..

وبالرجوع إلى السير الذاتية، في كتاب "آل العوفي"، المتعلقة بالأجيال الثلاثة الأولى (الجيل الأول والثاني والثالث)، نجد أن الأغلبية الساحقة من الجيل الأول والثاني، كانوا من حاملي كتاب الله، ويستظهرونه عن ظهر قلب، وكانوا يواظبون على قراءة الحزب كل يوم تقريبا، في حين أن الجيل الثالث، مواليد الثلاثينات والأربعينات، وحتى الخمسينات من القرن الماضي، قد نزلت النسبة المائوية إلى أدنى حد، وذلك طبعا نتيجة لانتشار المدارس العصرية...

الجيل الثالث

الجيل الثاني

الجيل الأول

 تسعة يحفظون القرآن، مقابل 74 لا يحفظونه   اثنا عشر يحفظون القرآن، مقابل 4 لا يحفظونه  خمسة يحفظون القرآن، مقابل 1 لا يحفظه 

ومن المعلوم أنه، في القديم، كان القليل من آباء آل العوفي، ممن كانوا يسمحون لبناتهم، في صغرهن، بالالتحاق بكتاب القرية ، ليتعلمن بعض مبادئ القراءة والكتابة، ويحفظن بعض السور من القرآن الكريم.. وذلك إلى حين بلوغهن سنا معينا، فيغادرن بعدئذ الكتاب، ويحتجبن في المنزل لمساعدة أمهاتهن.

وبسبب هذا التقليد المحافظ الذي كان يسود، آنذاك، المجتمعات المغربية كلها، لم يتيسر لأية امرأة من  بنات آل العوفي، في الأجيال الماضية، أن تلج الكتاب القرآني، وتمكث فيه إلى أن تستظهر الستين حزبا عن ظهر قلب..

فكان علينا أن ننتظر حلول القرن الواحد والعشرين، وبالضبط في أواخر الفترة التي عاش فيها الجيل الثالث، ليقع التمرد على هذا التقليد، على يد ابنة تغزوت، امرأة عوفية طبيبة، اسمها فريدة بنت الحاج سي محمد العوفي. درست في المدارس العصرية، وتخصصت في العلوم الطبية، ولم تطأ قدمها قط، أي كتاب  قرآني أو مؤسسة دينية، لا في صغرها ولا في شبابها..

لكنها قبل إحالتها على التقاعد سنة 2015، استجابت لهوى في نفسها، والتحقت سنة 2010  بمدرسة ’دار القرآن‘ الحرة بالرباط، التي تتمحور فيها الدروس حول المواد الدينية الإسلامية، من أهمها: القرآن الكريم (تفسيره وتحفيظه وتجويده...) وعلوم الحديث، والسيرة النبوية، والفقه وأصوله، وقواعد اللغة العربية، والبلاغة، وغيرها من المواد...

واظبت فريدة على الدراسة والتحصيل داخل هذه المؤسسة، بجد وهمة وعزيمة، مما جعلها، بعد التقاعد، تتفرغ كليا لدراسة المواد الدينية المرتبطة، بالقرآن والحديث، وتنهل من نفس العلوم التي نهل منها السلف من أجدادها.. فنالت سنة 2017 شهادة التخرج بميزة حسن. وبعد ذلك شرح الله صدرها، وأكملت الختم الأول للقرآن سنة 2019، وما تزال تصبو إلى المزيد.

وهكذا، أصبحت الطبيبة، الدكتورة فريدة العوفي، حسب المعطيات التي أتوفر عليها حاليا، أول امرأة عوفية تحمل كتاب الله المبين، وتختص في العلوم الدينية.

 


[1] "إخنش" مصطلح أمازيغي ريفي، كان يطلق على الطالب الذي يرحل إلى بلد آخر طلبا للعلم